بالأمس، وفي زمن التلفزة الأولى، كان جهاز واحد يجمع حوله جميع عناصر المجتمع وفئاته، وما يُعرض في التلفزة يحدد ثقافة المجتمع، والراديو كان عنصراً أساسياً ـــ أيضاً ـــ لتعزيز الثقافة بين الناس، وقد شكّلت عوامل جاذبة ومشوقة، والتَفّت حولها العائلة لتشاهد أفلام «الكرتون»، والمسلسلات الهادفة، والأخبار، والبرامج الأخرى أسست ثقافة مجتمع بكل فئاته، على الرغم من البساطة.
دعونا نتفكر قليلاً؛ فسنجد أن هذا الأمر يناط لاحتياجات البيئة المحيطة، التي تشكّل وتولّد ثقافة الفرد، وتتحدد الصناعة الإلكترونية في الأمس بتطوير جهاز التلفاز أو الراديو، وبالتالي ثقافة المنتج تتمحور حول سياسة تهدف إلى الترفيه عن الناس بشكل عام، وتشكّل ثقافة المجتمع، كلٌّ وفق توجهاته، وهي غير متاحة للجميع، فلا تتواجد في كل بيت؛ مجتمع بسيط، من الممكن أن يتشارك الجيران والأهل في مشاهدة التلفاز وسماع الراديو في البيوت، أو في المقاهي أو السينما، أو غير ذلك من الأماكن، من دون أن تترك تأثيرا سلبيا في الأفراد، بل هي ميزة مجتمع في الغالب.
إن سمة المجتمع الترابط، ومتابعة ما يحيط بالبيئة التي يعيشون فيها، ولا يحد ثقافتهم تواجد التلفاز، فالكتاب والجرائد كانت صديق الجميع، وتتناقل الناس الأخبار بأنواعها، ولم تكن تلك الأجهزة ما تفرضه من ثقافة تحدد علاقة الأفراد ببعضهم، وبالتالي سيكون هو النمط السائد.
هذا نمط حياة الأمس؛ ولكن تختلف اليوم في بعض تفاصيلها، وقد تبدو في جوانب كثيرة نتيجة للتقدم والتكنولوجيا الأكثر تأثيراً عن ثقافة الفرد السابق، فاحتياجات البيئة المحيطة التي تولد ثقافة الفرد أصبحت حاجة ملحة، ولتوليد هذه الثقافة لا بد من تهيئة البيئة المحيطة واحتياجاتها، وهي ليست بالقليلة، تحتاج وقتاً وجهداً وتكلفة مادية وأجهزة حديثة متطورة وذكية و«إنترنت»، وغير ذلك من ضروريات التكنولوجيا، بالإضافة إلى مجتمع يصادق عليها، وقد فاق ذلك احتياجات الزمن الماضي، وثقافة الفرد، كما يعرفها البعض ما هي إلا حلول لتحديات يواجهها الفرد مع البيئة المحيطة..
بالتالي، ثقافة الفرد في الوقت الحاضر تُكتسب من مواقع التواصل الذي يعيشه طوال اليوم، فنجد «الصغير والكبير» يقتبسون ثقافتهم من مواقع التواصل المختلفة، مثل: «تويتر» و«فيسبوك» و«اليوتيوب»، ودلالة الأمر تبرز في قلة أعداد الأشخاص غير المستخدمين لمواقع التواصل، ويعد ظهورها فتحاً تاريخياً، ونقلة مجتمعية ثقافية للأفراد، ساهمت في توليد الثقافة..
ويمكن القول: إن المعلومات المتدفقة في الواقع الافتراضي تُعيد تشكيل الأنماط السائدة وتقولبها، في إطار فهم المجتمعات للمحتوى، وذلك في أن شبكات التواصل تملك القوة الضاربة في صناعة الرأي العام، وأنها سمحت للجمهور بأن يضع المحتوى الثقافي بنفسه، وأن تزايد إقبال الناس على شبكات التواصل خلق حالة حراك ثقافي داخل المجتمعات العربية، ولا يمكن نكران أن مواقع التواصل أصبحت عمود الخيمة في الحضارة الإنسانية، والثقافة نتاج الحضارة..