أتمعنُّ كثيراً في موضوع الاستثمار في الدول النامية كأحد العوامل الأساسية التي تدخل في تطور المؤسسات، وكذا الاقتصاد العام، وكيف أنه يسمح بخلق مناصب عمل جديدة ومواكبة العصر بما جاء معه من تطور تكنولوجي وتقدم.. فمناخ الاستثمار هو الوعاء الحقيقي للحياة الاقتصادية.
يشير تعبير «نقل التكنولوجيا» إلى التقنيات المتقدمة، وإلى الأهداف من نقلها في إطار تطلع الدول النامية لبلوغ ذلك المقصد التكنولوجي سعياً للتخلص من مشكلاتها الاقتصادية في ظل افتقارها للمعارف والخبرات والوسائل الفنية.
إلا أن هناك التحديات ومعيقات الاستثمار ونقل التكنولوجيا في الدول النامية والمتمثلة في ضعف التناغم بين السياسات الاقتصادية والسياسة الاستثمارية وتعدد التشريعات الناظمة والأطر المؤسسية المعنية بالاستثمار وتراجع تنافسية الدول وبيئة الأعمال، ويوجد تضارب في بعض القوانين الاقتصادية التي تحكم منظومة الاستثمار في الدول النامية، إضافة إلى تقييد المنافسة في عقود نقل التكنولوجيا بسبب عدم توافر أدوات تشريعية سابقة أو أحكام قضائية تتصل به، ويأتي ذلك نتيجة لحقوق الملكية الفكرية التي تقف عائقاً في نقل التكنولوجيا من الدولة المتقدمة إلى الدول النامية، لاحتكارها مواردها البشرية وخبراتها، والفنيين، ما يؤدي إلى عدم قدرة المنتجات في الدول النامية على المنافسة المحلية والخارجية، والمستثمرين في الداخل.
فعملية نقل التكنولوجيا من البلدان الصناعية إلى البلدان النامية لا تزال إحدى الإشكاليات الرئيسة التي تواجه الاقطار النامية في عملية التنمية، لأنها وإن كانت قضية تهم الطرفين، المصدِّر للتكنولوجيا، والمستورد لها في نفس الوقت، حيث يسعى الطرفان لتحقيق أكبر قدر من العائد، وأعلى مستوى انتفاع ممكن من وراء عملية نقل التكنولوجيا، فإن القوة التفاوضية ما زالت تميل بشكل واضح لمصلحة المصدِّر، لأسباب تقنية، واقتصادية، إضافة إلى مسألة الاحتكار، خصوصًا للتقنيات المتطورة، وقصور التشريعات على تحقيق الاستثمار ونقل التكنولوجيا العائد على الطرفين دون احكام طرف على آخر.
أما القيود المفروضة في بعض اتفاقيات نقل التكنولوجيا وتراخيص الملكية الفكرية فسيكون لها أثر سلبي في التجارة العالمية وستؤدي لعرقلة نقل ونشر التكنولوجيا.. وتتنوع عقود نقل التكنولوجيا وتتباين انواعها موضوعًا والتزامات، فبعضها عقد تسليم مفتاح، كعقد انشاء مصنع وتركيب معداته والتدريب، وبعضها تراخيص بالاستغلال، وبعضها مجرد مساعدة فنية، وأخرى عقود بحث وتبادل معلومات.
ويبدو واضحاً أن هناك ظلمًا واقعًا على الدول المنقولة لها التكنولوجيا، يحْرِمُها من الاستفادة من عملية نقل التكنولوجيا واستثمارها، سواء فنياً أو تدريبياً أم بالمعدات وتبادل التكنولوجيا المحسنة من الدول النامية إلى الدول المتقدمة واستقدام الخبراء.. نتيجة لاتفاقات التراخيص واستغلال براءات أو علامات أو اتفاقات المعرفة الفنية.. والسؤال: متى سنتمتع بالحرية المطلقة في نقل وتبادل التكنولوجيا بين الدول المتقدمة المصدرة والدول النامية المحسنة والموردة؟! بتصوراتكم.. هل هذا الأمر قد يتحقق يوماً من الأيام؟!