خدعة التكنولوجيا
بقلم: د.علي يوسف السند
(أستاذ مساعد في قسم الدراسات إسلامية)
alsanad11@gmail.com
ربما نستغرب إذا عرفنا بأن أعرق الجامعات، وأكثرها تقدما والتي تتصدر قوائم الجامعات الأقوى والأهم في العالم ما زالت تستعمل اللوح الخشبي “والطباشير” في بعض قاعاتها الدراسية!
الغرابة من تلك المعلومة تحصل بسبب الارتباط الموجود في أذهاننا بين التطور والتقدم وبين استعمال الأجهزة الالكترونية الحديثة، فوجود الأجهزة المتطورة -عند البعض- يكفي للحكم بالتخلف أو التقدم، وهذا ارتباط وهمي في كثير من الأحيان، فالتطور التكنولوجي يهدف إلى مساعدة الإنسان في أداء مهامه بجودة وسرعة، ليوفر عليه الجهد والوقت، لكن تلك الأجهزة ليست بديلا عن عقل الإنسان، ومجرد وجودها واستعمالها لايعني بالضرورة حصول التقدم في العمل، فكثير من المؤسسات تنفق أموالا طائلة لتوفير الأجهزة والبرامج ذات التقنية المتقدمة، وتفتخر بذلك لكن يبقى العمل والانتاجية فيها بمستويات متنية!
السبب في ذلك هو الاعتقاد بأن مجرد وجود تلك الأجهزة وحده كاف لحصول التطور، لكن الأمر أعقد وأعمق من ذلك، لأن جوهر الإدارة السليمة التي تحقق التطور في العمل له ارتباط كبير في العقلية التي تستعمل تلك التقنية، وأسلوب الإدارة التي تدير بها المؤسسة بشكل عام، والثقافة والقيم السائدة فيها، ووجود خطة موضوعة على أسس منهجية، وقدرة على اتخاذ القرارت وفق الطرق العلمية، وكفاءة العاملين والتطوير المستمر لمهاراتهم، وغيرها من ضروريات لا يمكن أن تكون التكنولوجيا بديلا عنها.
لا قيمة للتطور التقني وتوفير أجهزة متطورة إذا لم تكن للمؤسسة رؤية واضحة وخطة قائمة على أهداف محددة يمكن قياسها، وخطة للتنفيذ، ومراقبة التنفيذ، وتقييم دقيق للأداء.
لا قيمة كبيرة للتكنولوجيا إذا كان هيكل المؤسسة قائم على مركزية القرار، وغياب تام للتفويض، مما يُضعف الثقة في العاملين وتخفت روح المبادرة لديهم.
لا قيمة للأجهزة المتطورة إذا كانت ثقافة المؤسسة لا تشجع على الحوار والنقد والإبداع وغرس الولاء للمؤسسة عبر إشراك العاملين في وضع الخطط، والتواصل معهم، والاستماع لملاحظاتهم وهمومهم.
التكنولوجية الحديثة نعمة عظيمة، لا يمكن الاستغناء عنه في هذا العصر، لكن ذلك مرتبط في كيفية التعامل معها وتوظيفها بذكاء لخدمة العمل، حتى لايصبح وجودها مصدرا لشعور مزيف بالتقدم والتطور لمجرد أنها موجودة في المؤسسة، مع بقاء الأمراض الإدارية والمؤسسية دون علاج.