أقام قسم اللغة العربية وآدابها بكلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب تحت رعاية الأستاذ الدكتور عميد الكلية المحترم ندوة أدبية بعنوان : البناء الفني التقليدي في القصيدة الإسلامية .
وذلك في السابعة والنصف من مساء يوم الإثنين الموافق 7/6/2021م عبر منصة تيميز .
وقد أدار الندوة د . محمد عبد القادر أشقر الأستاذ المساعد بالقسم ، وقد بيَّن في تقديمه للندوة التقاليد الفنية المتوارثة في بناء القصيدة الجاهلية ، وارتباط هذه التقاليد بحودة القصيدة عند النقاد ، ثم ذكر أن الندوة تتناول محورين لبناء القصيدة الإسلامية بناء تقليديا .
أما المحور الأول منهما ، فقد تناول البناء الفني التقليدي للقصيدة الإسلامية عند حسان بن ثايت ، وقد عرض فيه د . فتحي علي عبده الأستاذ المساعد بالقسم – لاختلاف اتجاهات رؤى الباحثين للبناء التقليدي في القصيدة الإسلامية ، وأن منهم من ذهب إلى رمزيتها ، ومنهم من ذهب إلى أنها تقليد فني محض للقصيدة الجاهلية ، ولكنهم لم يعرضوا للعلاقة التي تربط هذا البناء بالموضوع الإسلامي الذي عبر عنه الشاعر المسلم ، ومن هنا ، فقد رأى الباحث أن الكشف عن الثراء الدلالي لهذا البناء التقليدي من الأمور المهمة في دراسة القصيدة العربية القديمة على مر عصورها .
وقد وقف الباحث أمام قصيدة من قصائد شاعر الرسول حسان بن ثابت ، وهي قصيدته الهمزية التي قالها في الطريق إلى فتح مكة ، وبين أن كثيرا من الباحثين رأوا أن المقدمة التي صدَّر بها الشاعر القصيدة مقدمة تقليدية لا دلالة لها ببقية القصيدة ، معتمدين في ذلك على ما ذكر في الديوان بأنها قد قيلت في الجاهلية ثم بُني عليها في الإسلام ، ومن ثم ، فالهمزية الموجودة في الديوان تعد قصيدتين وليس قصيدة واحدة ، ومما يدعم ذلك عند هؤلاء الباحثين أن الجزء الأول من القصيدة قد ذكر فيه الخمر ، وقد كانت محرمة قبل فتح مكة .
ولكن الباحث بيَّن أنها قصيدة واحدة ، وأن هذه المقدمة ترمز للتحول الذي عاشه الشاعر من الجاهلية إلى الإسلام ، فالأبيات الأولى تتناول صورة من الحياة الجاهلية التي عاشها الشاعر قبل إسلامه ، ولكنها لم تعد موجودة في ظل الإسلام ، ومن ثم فلقد كان على الشاعر أن يلتمس حياة جديدة ، ولذا يأتي حديثه عن المرأة وعن الخمر رامزا إلى الحياة الجديدة ، ودون أن يكون هناك ما يشير إلى أنه شاربٌ للخمر المحرمة ؛ لأن هناك مشابهة بين صورة الجنة وما بها من فاكهة وخمر لذة للشاربين ، وبين ما عرضه في هذه المقدمة الغزلية الخمرية.
وقد بين الباحث أن هناك علاقات دلالية بين هذه المقدمة وبين بقية الأبيات التي أجمع الباحثون أنها إسلامية ، فلقد حرص الشاعر على تصوير المجتمع المسلم مقارنة بالمجتمع المشرك ، وبين أن دعائم المجتمع المسلم تقوم على الإيمان بالله والتصديق برسوله والدفاع عن الدين بالعدة الحربية والقولية أيضا ، أما المجتمع المشرك فلا يقوم إلا على قيم الخواء والتضليل ، كما بين أن الحرب في الإسلام ليست عدوان ولكنها رد فعل لما يقوم به المشركون من عدوان ، ولهذا يصف المسلمين بالأسود الظافرة بأعدائها ، والساعية إلى التضحية بالنفس والأهل والمال فداء لله ورسوله .
وختم الباحث حديثه بدعوة الباحثين إلى إعادة اكتشاف تراثنا الأدبى وعدم الركون إلى فكرة عقم التقاليد الفنية .
أما المحور الثاني وهو عن : بناء القصيدة بين الجاهلية والإسلام عند سويد بن أبي كاهل، فلقد عرض فيه د . محمد فؤاد نعناع الأستاذ المساعد بالقسم لما تُعُورِف عليه من أن بناء القصيدة الجاهلية يقوم على المقدمة ووصف الرحلة والغرض الأساسي ، وأنه قد ترد الحكمة أو غيرها في نهاية القصيدة.
كما ذكر أن المقدمة الغزلية تُعَدّ من أشهر مقدمات القصيدة الجاهلية ، وأنها اتخذت صورتين ، الأولى يتغزل الشاعر فيها بالمرأة مصوراً عواطفه تجاهها وواصفاً جمالياتها . وأما الصورة الثانية ، فهي تبدأ مثل الصورة الأولى، ولكن الشاعر ينميها بالحديث عن الظعائن، أو الطيف والخيال ، أو الشيب والشباب ، وذهب إلى أن الصــورة الثانية تتحقق في مفضليــــة سويد بن أبي كاهل: (بَسَطَتْ رابعةُ الـحبـلَ لنا) التي تزيد على مئة بيت.
فلقد توزعت هذه المفضلية على قسمين، وكل قسم بدأ بالغزل. عبّر الشاعر في القسم الأول عن ذكرى الأيام الجميلة التي قضاها مع المرأة دون إظهار الشكوى، وجسّد جمالياتها فجعلها نموذجاً جمالياً مثالياً، ثم انتقل إلى ذكر خيالها، ثم إلى وصف الرحلة مستخدماً ضمير الجماعة حتى وصل إلى منازل قومه الذين صوّرهم على أنهم مثال أعلى لكل قبيلة لما يتحلَّون به من المناقب الجاهلية. وافتتح الشاعر القسم الثاني بخيال المرأة ومن ثم بالغزل. وإن كان وصفه مختصراً، إلا أنه يصور شوقاً هادئاً ما يشير إلى طمأنينة في نفسه. ثم يصور رحلته وإن كانت فردية، فيصف ناقته ويشبهها بثور وحشي وما يلاقيه من صعوبات في طريقه تتمثل في الصياد وكلابه، وكأنه يقصد به نفسه، ثم يتحول إلى الفخر بقومه الذين قصدهم في القسم الأول من القصيدة ناسباً إليهم صفات إسلامية جديدة، ليختتم القصيدة بالفخر الذاتي ومهاجمة الخصوم.
ولقد ذهب الباحث إلى أن المرأة ترمز إلى حياة قبيلة الشاعر أيام الجاهلية، حيث كانت تشكل مملكة مثالية، كما أنه يرمز بخيال المرأة في القسم الثاني إلى حياة الجماعة في ظل الإسلام، والرحلة إليها بكل اطمئنان مضيفاً القيم الإسلامية معلناً القطيعة مع كل ما يمت بصلة إلى الجاهلية. إن المرأة (رابِعَة، سلمى، سُلَيمى) تشكل هذا الرابط بين قسمي القصيدة، وترمز إلى هذا المبدأ/ المثال الذي جسدته قبيلة الشاعر، والذي يجدر التمسك به على المستوى الفردي والجماعي، وأن الوصول إلى هذا المبدأ/ المثال يقوم على التلاحم بين الفرد والجماعة.
ولعل هذه النتيجة التي توصل إليها الباحث تؤكد الدعوة إلى رؤية الثراء الدلالي للبناء التقليدي للقصيدة الإسلامية والعربية عامة ، وتدعم من الهدف الذي سعت الندوة إلى تحقيقه